"الإمام ضامنٌ والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين

0



قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - في "
شرح عمدة الفقه 

" بعد أن ذكر بعض الأحاديث في فضل الأذان : 
« ولم يجىء في فضل الإمامة مثل هذا ؛ ولأن الإمامة من باب الإمامة ، والولاية إذ هي الإمامة الصغرى ، ولذلك قال عثمان لابن عمر : " اقض بين الناس " فاستعفاه ، وقال : " لا اقضي بين اثنين ، ولا أؤم رجلين " رواه احمد . وهي فتنة لما فيها من الشرف و الرئاسة ، حتى ربما كان طلبها مثل طلب الولآيات والإمارات الذي هو من إرادة العلو في الأرض ، وهذا مضر بالدين ، وقد روى كعب بن مالك عنه - صلى الله عليه و سلم - أنه قال : « ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم ، بأفسد لها من حرص المرء على المال و الشرف لدينه » قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " ؛ ولأنه يخاف على صاحبها انتفاخه بذلك ، واختياله ، وأن يفتن باشتهاره ، ولذلك صلى حذيفة بن اليمان مرة إماماً ، ثم قال : " لتصلن وحداناً ، أو لتلتمسن لكم إماماً غيري ، فإني لما أممتكم خيل إليَّ أنه ليس فيكم مثلي " . وقيل لمحمد بن سيرين في بعض المرات : ألا تؤم أصحابك ؟ ، فقال : " كرهت أن يتفرقوا فيقولوا : أمنا محمد بن سيرين " ؛ ولأن الإمام يتحمل صلاة المأمومين الذي دل عليه حديث الضمان ، والأذان سليم من هذه المخاوف كلها ، بل ربما زهد الشيطان فيه و ثبط عنه حتى يفوض إلى أطراف الناس ، ولذلك قال عمر - رضي الله عنه - لبعض العرب : " من يؤذن لكم ؟ " ، قالوا : عبيدنا ، قال : " ذلك شر لكم " . وأما إمامته - صلى الله عليه و سلم - ، وإمامة الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - فمثل الإمارة والقضاء ، وذلك أن الولايات وأن كانت خطرة ، لكن إذا أقيم أمر الله فيها لم يَعْدِلها شيء من الأعمال ، وإنما يهاب الدخول فيها أولاً خشية أن لا يقام أمر الله فيها لكثرة نوائبها ، وخشية أن يفتن القلب بالولاية ؛ لما فيها من الشرف والعز ، ويكره طلبها ؛ لأنه من حب الشرف و إرادة العلو في الأرض يكون في الغالب ؛ ولأنه تعرض للمحنة والبلوى ، فإذا ابتلي المرء بها صار القيام بها فرضاً عليه ، وكذلك إذا تعينت عليه فإمامته ، وإمامة الخلفاء الراشدين كانت متعينة عليهم ؛ فإنها وظيفة الإمام الأعظم ، ولم يمكن الجمع بينها وبين الأذان ، فصارت الإمامة في حقهم أفضل من الأذان ، لخصوص أحوالهم ، وإن كان لأكثر الناس الأذان أفضل ، ولهذا قال عمر - رضي الله عنه - : " لولا الخلافة لأذنت " رواه سعيد . وهذا كالإمارة نفسها ، وكما أن مقامهم بالمدينة لكونها دار هجرتهم كان أفضل من مقامهم بمكة ، بل كان يحرم عليهم استيطان مكة ، و هذا الوصف مفقود في غيرهم ، وكذلك صوم يوم وفطر يوم هو أفضل الصيام ، وكان النبي - صلى الله عليه و سلم - يصوم غيره ؛ لأنه كان يضعفه عما هو أفضل منه ، فصار قلة الصوم في حقه أفضل ، ونظائر هذا كثيرة ، نعم : نظير هذا أن يكون في القوم رجل لا يصلح للإمامة ألا هو ، وهو أحقهم بالإمامة ، ومن يصلح للأذان كثير ، فتكون إمامته بهم - إذا قصد وجه الله بها ، وإقامته هذا الفرض ، واتقى الله فيها - أفضل لما ذكرناه ، وعلى هذا يحمل حديث داود بن أبي هند وقد روى عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم - : « ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة ، عبد أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل أم قوماً و هم به راضون ، ورجل يُنادي بالصلوات الخمس في كل يوم و ليلة » رواه الترمذي ، وقال : " حديث حسن غريب " » أهـ.

وفي كتاب " الإمامة في الصّلاة ، مفهوم، وفضائل ، وأنواع ، وآداب ، وأحكام ، في ضوء الكتاب والسُّنَّة " 
تأليف :
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني :
" فضل الإمامة في الصلاة والعلم :
1_ الإمامة في الصلاة ولاية شرعية ذات فضل، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"([1]). ومعلوم أن الأقرأ أفضل، فقرنا بأقرأ يدل على أفضليتها([2]).
2_ الإمام في الصلاة يُقتدى به في الخير، ويدلّ على ذلك عموم قول الله عز وجل في وصفه لعباد الرحمن، وأنهم يقولون في دعائهم لربهم: ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ) ([3]). المعنى: اجعلنا أئمة يقتدى بنا في الخير، وقيل: المعنى: اجعلنا هداة مهتدين دعاة إلى الخير([4]). فسألوا الله أن يجعلهم أئمة التقوى يقتدي بهم أهل التقوى، قال ابن زيد كما قال لإبراهيم: ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاما ) ([5])، وامتنّ الله - عز وجل - على من وفقه للإمامة في الدين فقال: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ ) ([6]) أي لَمّا كانوا صابرين على أوامر الله - عز وجل - وترك نواهيه، والصبر على التعلم والتعليم والدعوة إلى الله، ووصلوا في إيمانهم إلى درجة اليقين - وهو العلم التام الموجب للعمل - كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله، ويدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر([7]).
3_ دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم للأئمة بالإرشاد، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "الإمام ضامنٌ والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين"([8]).
4_ الإمامة فضلها مشهور، تولاها النبي صلّى الله عليه وسلّم بنفسه، وكذلك خلفاؤه الراشدون، وما زال يتولاها أفضل المسلمين علماً وعملاً، ولا يمنع هذا الفضل العظيم أن يكون الأذان له ثواب أكثر، لِمَا فيه من إعلان ذكر الله تعالى، ولِمَا فيه من المشقّة، ولهذا اختلف العلماء في أيهما أفضل: الأذان أم الإمامة؟ فمنهم من قال: الإمامة أفضل، لِمَا سبق من الأدلة، ومنهم من قال: الأذان أفضل، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين". ومنزلة الأمانة فوق منزلة الضمان وأعلى منه، والمدعو له بالمغفرة أفضل من المدعو له بالرشد، فالمغفرة أعلى من الإرشاد، لأن المغفرة نهاية الخير([9]).
واختار شيخ الإسلام - رحمه الله - أن الأذان أفضل من الإمامة([10]). وأما إمامة النبي صلّى الله عليه وسلّم وإمامة الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - فكانت متعينة عليهم، فإنها وظيفة الإمام الأعظم ولم يمكن الجمع بينها وبين الأذان فصارت الإمامة في حقهم أفضل من الأذان لخصوص أحوالهم، وإن كان لأكثر الناس الأذان أفضل([11]).
5_ عظم شأن الإمامة وخطره على من استهان بأمرها ظاهر في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "يصلون لكم فإن أصابوا فلكم [ولهم] وإن أخطأوا فلكم وعليهم"([12]). والمعنى: "يصلون" أي الأئمة "لكم" أي لأجلكم، "فإن أصابوا" في الأركان والشروط، والواجبات، والسنن "فلكم" ثواب صلاتكم، "ولهم" ثواب صلاتهم، "وإن أخطأوا" أي ارتكبوا الخطيئة في صلاتهم، ككونهم محدثين "فلكم"، ثوابها، "وعليهم" عقابها([13]). وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم – يقول : "مَن أمّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم ، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم"([14]).
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم – يقول : "الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء - يعني - فعليه ولا عليهم"([15]).
_______






‏€€من جهاز الـ iPhone 5 الخاص بي€€

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق