0
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صفة الحـــــج والعمرة

فإن الحج من أفضل العبادات وأجل الطاعات، لأنه أحد أركان الإسلام الذي بعث الله به محمد صلى الله عليه وسلم، والتي لا يتم دين العبد إلا بها، ولما كانت العبادة لا يتم التقرب بها إلى الله، ولا تكون مقبولة إلا بأمرين:
أحدهما: الإخلاص لله -عزوجل- بأن يقصد بها وجه الله والدار الآخرة، لايقصد بها رياءً ولا سمعة ولا حظًا من الدنيا.

الثاني: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيها قولًا وعملًا، والاتباع للنبي لايمكن تحقيقه إلا بمعرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
أحب أن أكتب نبذة مختصرة جدًا في صفة العمرة والحج:

أنــــواع الأنســــــــاك:
الأنساك ثلاث: (تمتع، إفراد، قران):
فالتمتع: أن يحرم بالعمرة وحدها في أشهر الحج. فإذا وصل مكة طاف وسعى للعمرة وحلق أو قصر، فإذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج وحده، وأتى بجميع أفعاله.

والإفراد: أن يحرم بالحج وحده، فإذا وصل مكة طاف للقدوم وسعى للحج، ولا يحلق، ولا يقصر، ولا يحل من إحرامه، بل يبقى محرمًا حتى يحل بعد رمى جمرة العقبة يوم العيد، وإن أخر سعي الحج إلى ما بعد طواف الحج فلا بأس.

والقران: أن يحرم بالعمرة والحج جميعًا، أو يحرم بالعمرة أولًا ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها، وعمل القارن كعمل المفرد سواء إلا أن القارن عليه هدي والمفرد لا هدي عليه.

وأفضل هذه الأنواع الثلاثة وهو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وحثهم عليه، حتى لو أحرم الإنسان قارنًا أو مفردًا فإنه يتأكد عليه أن يقلب إحرامه إلى عمرة ليصير متمتعًا، ولو بعد أن طاف وسعى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طاف وسعى عام حجة الوداع ومعه أصحابه أمر كل من ليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرةً ويقصر ويحل، وقال صلى الله عليه وسلم: «لو أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به».

صفة العمرة
إذا أراد أن يحرم بالعمرة، فالمشروع أن يتجرد من ثيابه ويغتسل كما يغتسل للجنابة، ويتطيب بأطيب ما يجده من دهن عود أوغيره في رأسه ولحيته، ولا يضره بقاء ذلك بعد الإحرام.
والإغتسال عند الإحرام سنةٌ في حق الرجال والنساء حتى الحائض والنفساء.
ثم بعد الاغتسال والتطيب يلبس ثياب الإحرام، ثم يصلي غير الحائض والنفساء الفريضة إن كان في وقت فريضة، وإلا صلى ركعتين ينوي بها سنة الوضوء.
فإن فرغ من الصلاة أحرم، وقال: "لبيك عمرة -لبيك اللهم لبيك، لبيك لاشريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لاشريك لك"، يرفع الرجل صوته بذلك، والمرأة تقول بقدر ما يسمع من بجنبها.
وينبغي للمحرم أن يكثر من التلبية خصوصًا عند تغير الأحوال والأزمان مثل أن يعلو مرتفعًا أو ينزل منخفضًا، أو يقبل الليل، أو النهار، وأن يسأل الله بعدها رضوانه والجنة، ويستعيذ برحمته من النار.
والتلبية مشروعة في العمرة من الإحرام إلى أن يبتدئ برمي جمرة العقبة يوم العيد.
فإذا دخل المسجد الحرام قدم رجله اليمنى وقال: "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم".

ثم يتقدم إلى الحجر الأسود، ليبتدئ الطواف فيتسلم الحجر بيده فإن لم يتيسر استلامه بيده فإنه يستقبل الحجر، ويشير إليه بيده إشارة ولا يقبلها.
والأفضل أن لا يزاحم، فيؤذي الناس، ويتأذى بهم.

ثم يأخذ ذات اليمين، ويجعل البيت عن يساره، فإذا بلغ الركن اليماني استلمه من غير تقبيل، فإن لم يتيسر فلا يزاحم عليه، ويقول بينه وبين الحجر الأسود: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة".

وكلما مر بالحجر الأسود كبر.
ويقول في بقية طوافه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة قرآن، فإنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله.

وفي هذا الطواف أعني الطواف أول ما يقدم ينبغي للرجل أن يفعل شيئين:

أحدهما: الاضطباع من ابتداء الطواف إلى انتهائه، وصفة الاضطباع أن يجعل وسط ردائه داخل إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، فإذا فرغ من الطواف أعاد رداءه إلى حالته قبل الطواف، لأن الاضطباع محله الطواف فقط.

الثاني: الرمل في الأشواط الثلاث الأولى فقط، والرمل: إسراع المشي مع مقاربة الخطوات، وأما الأشواط الأربع الباقية فليس فيها رمل، وإنما يمشي كعادته.

فإذا أتم الطواف سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125].

ثم صلى خلفه ركعتين خفيفتين يقرأ في الأولى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [أي سورة الكافرون]، وفي الثانية: قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ} [أي سورة الإخلاص] بعد الفاتحة.

فإذا فرغ من صلاة الركعتين رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه إن تيسر له.

ثم يخرج إلى المسعى، فإذا دنا من الصفا قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ ۖ } [البقرة: 158]، ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة فيستقبلها ويرفع يديه فيحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعوا.
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم هنا: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» [رواه مسلم]، ويكرر ذلك ثلاث مرات، ويدعو بين ذلك.
ثم ينزل من الصفا إلى المروة ماشيًا، فإذا بلغ العلم الأخضر ركض ركضًا شديدًا بقدر ما يستطيع، ولا يؤذي، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يسعى حتى ترى ركبتاه من شدة السعي تدور به إزاره وفي لفظ: "وإن مئزره ليدور من شدة السعي"، فإذا بلغ العلم الأخضر الثاني مشى كعادته حتى يصل إلى المروة فيرقى عليها ويستقبل القبلة، ويرفع يديه، ويقول ما قاله على الصفا.
ثم ينزل من المروة إلى الصفا، فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه.
فإذا وصل إلى الصفا فعل كما فعل أول مرة وهكذا المروة حتى يكمل سبعة أشواط، ذهابه من الصفا إلى المروة شوط، ٌورجوعه من المروة إلى الصفا شوطٌ آخر.
ويقول في سعيه ما أحب من ذكر، ودعاء، وقراءة قرآن.
فإذا أتم سعيه سبعة أشواط حلق رأسه إن كان رجلًا، وإن كانت امرأة تقصر من كل قرن أنملة.
ويجب أن يكون الحلق شاملًا لجميع الرأس.
والحلق أفضل من التقصير إلا أن يكون وقت الحج قريبًا بحيث لا يتسع لنبات شعر الرأس فإن الأفضل التقصير، ليبقى الرأس للحلق في الحج.
وبهذه الأعمال تمت العمرة.
ثم بعد ذلك يحل منها إحلالًا كاملًا، ويفعل كما فعله المحلون من اللباس، والطيب، وإتيان النساء، وغير ذلك.

صفـــــــــة الحــــــــج
إذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج ضحى من مكانه الذي أراد الحج منه.
ويفعل عند إحرامه بالحج كما فعل عند إحرامه بالعمرة من الغسل، والطيب، والصلاة.
ثم ينوى الإحرام بالحج ويلبي.
وصفة التلبية بالحج: "لبيك حجًا، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".
وإن كان خائفًا من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط فقال: "وإن حبسني حابسٌ فمحلي حيث حبستني" وإن لم يكن خائفًا من عائق لم يشترط.
ثم يخرج إلى منى فيصلي بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر قصرًا من غير جمع.

فإذا طلعت الشمس يوم عرفة سار من منى إلى الزوال إن تيسر له، وإلا فلا حرج، لأن النزول بنمرة سنة.
فإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصر على ركعتين، يجمع بهما جمع تقديم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليطول وقت الوقوف والدعاء.
ثم يتفرغ بعد الصلاة للذكر والدعاء والتضرع إلى الله -عزوجل- ويدعو بما أحب، رافعًا يديه مستقبل القبلة، ولو كان الجبل خلفه، لأن السنة استقبال القبلة لا الجبل.
وكان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف العظيم: «لا إله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» فإن حصل له ملل وأراد أن يستجم بالتحدث مع أصحابه بالأحاديث النافعة وقراءة ما تيسر من الكتب المفيدة خصوصًا فيما يتعلق بكرم الله وجزيل هباته، ليقوي جانب الرجاء في ذلك اليوم كان ذلك حسنًا.
ثم يعود إلى التضرع إلى الله ودعائه، ويحرص على اغتنام آخر النهار بالدعاء، فإن خير الدعاء دعاء يوم عرفة.

فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة، فإذا وصلها صلى المغرب والعشاء جمعًا إلا أن يصل مزدلفة قبل العشاء الآخرة فيصليها في وقتها.
لكن إن كان محتاجًا إلى الجمع، إما لتعب أو قلة ماء أو غيرهما فلا بأس بالجمع، وإن لم يدخل وقت العشاء.
وإن كان يخشى ألا يصل مزدلفة إلا بعد نصف الليل فإنه يصلي ولو قبل الوصول إلى مزدلفة، ولا يجوز أن يؤخر الصلاة إلى ما بعد نصف الليل.
ويبيت بمزدلفة فإذا تبين الفجر صلى الفجر مبكرًا بأذان وإقامة ثم قصد المشعر الحرام (مكان المسجد) إن تيسر، فوحد الله، وكبر ودعا بما أحب حتى يسفر جدًا.
وإن لم يتيسر له الذهاب إلى المشعر الحرام دعا في مكانه.
يكون حال الذكر والدعاء مستقبلًا القبلة رافعًا يديه.
فإذا أسفر جدًا دفع قبل أن تطلع الشمس إلى منى، ويسرع في وادي محسر.
فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة، وهي الأخيرة مما يلي مكة بسبع حصيات متعاقبات واحدةً بعد الأخرى، كل واحدة بقدر الحمصة تقريبًا يكبر مع كل حصاة.
فإذا فرغ ذبح هديه، ثم حلق رأسه إن كان ذكرًا وأما المرأة فحقها التقصير دون الحلق.
ثم ينزل لمكة، فيطوف ويسعى للحج.
والسنة أن يتطيب إذا أراد النزول إلى مكة للطواف بعد الرمي والحلق.
ثم بعد الطواف والسعي يرجع إلى منى فيبيت بها ليلتي الحادي عشر والثاني عشر، ويرمي الجمرات الثلاث إذا زالت الشمس في اليومين.
والأفضل أن يذهب للرمي ماشيًا، وإن ركب فلا بأس.
فيرمي جمرة الأولى، وهي أبعد الجمرات عن مكة، وهي التي تلي مسجد الخيف بسبع حصياتٍ متعاقبات يكبر بعد كل حصاة.
ثم يتقدم قليلًا، ويدعو دعاءً طويلًا بما أحب، فإن شق عليه طول الوقوف والدعاء دعا بما يسهل عليه، ولو قليلًا ليحصل السنة.
ثم يرمي الجمرة الوسطى بسبع حصياتٍ متعاقباتٍ يكبر بعد كل حصاة.
ثم يأخذ ذات الشمال، فيقف مستقبل القبلة رافعًا يديه، ويدعو دعاءً طويلًا إن تيسر له، وإلا وقف بقدر ما تيسر.
ثم يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، ثم ينصرف، ولا يدعو بعدها.
فإذا أتم رمي الجمار في اليوم الثاني عشر فإن شاء تعجل ونزل من منى، وإن شاء تأخر فبات بها ليلة الثالث عشر ورمى الجمار الثلاث بعد الزوال كما سبق.
والتأخر أفضل، ولا يجب إلا أن تغرب الشمس في اليوم الثاني عشر وهو بمنى، فإنه يلزمه التأخير حتى يرمي الجمار الثلاث بعد الزوال.
فإذا أراد الخروج إلى بلده لم يخرج حتى يطوف للوداع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت»، إلا أنه خفف عن الحائض، فالحائض والنفساء ليس عليهما وداع.

فائـــــدة
يجب على المحرم بحج أوعمرة ما يلي:
1- أن يكون ملتزمًا بما أوجب الله عليه من شرائع دينه كالصلاة في أوقاتها مع الجماعة.
2- أن يتجنب ما نهى الله عنه من الرفث والفسوق والعصيان: فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ } [البقرة: 197].
3- أن يتجنب أذية المسلمين بالقول، أو الفعل عند المشاعر، أو غيرها.
4- أن يتجنب جميع محظورات الإحرام:
أ- فلا يأخذ شيئًا من شعره أو ظفره، فأما نقش الشوكة ونحوه فلا بأس به، وإن خرج دم.
ب- ولا يتطيب بعد إحرامه في بدنه أو ثوبه أو مأكوله أو مشروبه ولا ينتظف بصابون مطيب فأما ما بقي من أثر الطيب الذي تطيب عند إحرامه فلا يضر.
ج- ولا يقتل الصيد، وهو الحيوان البري الحلال المتوحش أصلًا.
د- ولا يجامع.
هـ- ولا يباشر لشهوة بلمس أو تقبيل أو غيرهما.
و- ولا يعقد النكاح لنفسه، ولا غيره، ولا يخطب امرأة لنفسه ولغيره.
ز- ولا يلبس القفازين، وهما شراب اليدين، فأما لف اليدين بخرقه فلا بأس به.
وهذه المحظورات السبعة محظورات على الذكر والأنثى.
ويختص الرجل بما يلي:
1- لا يغطي رأسه بملاصق، فأما تظليله بالشمسية وسقف السيارة والخيمة وحمل العفش عليه فلا بأس به.
2- لا يلبس القميص، ولا العمائم ولا البرانس ولا السراويل، ولا الخفاف إلا إذا لم يجد إزارًا فيلبس السراويل، أو لم يجد نعلين فيلبس الخفاف.
3- لا يلبس ما كان بمعنى ماسبق، فلا يلبس العباءة، ولا القباء، ولا الطاقية، ولا الفنيلة، ونحوها.
ويجوز أن يلبس النعلين والخاتم ونظارة العين وسماعة الأذن وأن يلبس الساعة في يده أو يتقلدها في عنقه ويلبس الهيمان والمنطقة وهما ما تجعل فيه النفقة.
ويجوز أن يتنظف بغير ما فيه طيب، وأن يغسل، ويحك رأسه وبدنه، وإن سقط بذلك شعره بدون قصد فلا شيء عليه.
والمرأة لا تلبس النقاب: وهو ما تستر به وجهها منقوبًا لعينيها فيه، ولا تلبس البرقع أيضًا، والسنة أن تكشف وجهها إلا أن يراها رجال غير محارم لها , فيجب عليها ستره في حال الإحرام وغيرها.
تم بقلم فضيلة الشيخ: محمد بن صالح بن عثيمين
وكتبه ،،رجب رضوان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق