الحاسوب.. القوة.. ومفاجآت العلم!

0
إن الحصول على حاسب شخصي ذو قدرة حسابية ممتازة أصبح أمراً من السهولة بمكان إلى درجة أننا صرنا نتفنن في إقتناء هذه الآلات، فمنها المحمول المخصص للألعاب ومنها للدراسة و آخر للمهاتفة، لكننا ربما لا نسمع كثيراً عن من يقتني تلك الحواسيب العملاقة (1) التي تصل قدرتها الحسابية إلى ملايين أضعاف سرعة أقوى حاسب قد تجده في السوق!!
هذه الآلات الخارقة لها ناديها الخاص الذي تنضم إليه فقط الحكومات و كبار مختبرات البحث والشركات العالمية (2)، وتستعمل لتسيير قواعد بيانات عملاقة كمعلومات مستعملي فايسبوك مثلاً (3)، أو للتصنت على ملايين المكالمات في نفس الوقت أوتوماتيكياً (4)، أو لتحقيق إكتشافات علمية و برهنة نظريات معقدة تتجاوز قدرة الحاسب العادي (5-6), و لذلك أصبح إقتناء أحدها مفخرة و مجال لإظهار مقدار القوة و الطموح لأي دولة أو مؤسسة (7-8).
و حقاً ففي الوقت الحالي و مع هذا الكم الهائل للمعلومات التي تتضاعف دون توقف، أصبح المعيار ليس فقط إمتلاك المعلومة بل كيفية تصفيتها و وضعها في سياقها و استغلالها و هذا فعلاً يتطلب حواسيب عملاقة بتكنلوجيتنا الحالية.

و كل هذا يعكس شغف الإنسان لامتلاك القوة بكل أنواعها و سعيه الدؤوب للبحث عنها.
لكن دعني أخبرك بأن العلم و كما عودنا يخبئ لنا مفاجأة قد تغير جذرياً مفهوم المعلومة و سرعة معالجتها، فمع التقدم الكبير الذي وصل إليه علماء الفيزياء النظرية في سبر أغوار ميكانيكا الكم و عالمها الغامض (9), جاء دور المهندسين و الفيزيائيين التطبيقيين ليرونوا كيف يقتحم العلم حياتنا اليومية المرة تلو الأخرى من أبواب لا نتوقعها.
إذ منذ فترة بدأ العلماء يفكرون في إستغلال السلوك الكمي للذرات و الجزيئات ماتحت الذرية لبناء ما أطلق عله اسم الحاسوب الكمي-10-, الذي يمكنه نظريا إجراء أعقد العمليات الحسابية التي تبنى من أجلها الحواسيب الخارقة في وقت قصير يصعب تخيل أنه ممكن مقارنة بما تعودنا عليه.


يقوم مبدأ عمل الحاسوب الكمي على محاولة التحكم و الإستفادة من ظواهر كمية مثل التراكب*-11- و التشابك*-12- التي يمكن ملاحظتها عند دراسة جسيمات مثل الإلكترونات و البروتونات و ذرات الهيدروجن و الهيليوم, هذه الظواهر أعطت العلماء الفكرة لتمثيل البيانات بوحدة جديدة خلاف البت العادي, أسموها”الكيوبت”*-13- بحث أن الكيوبت الواحد يمكنه تخزين إما واحد أو صفر أو أي تراكب كمي بينهما, بمعنا أنه قد يمثل القيمتين معا لكن مع إحتمال مختلف لكل قيمة و هنا يكمن الفرق عن البت العادي, فنظريا يمكن للكيوبت أن يكون في قيم لا نهائية بحسب إحتمال حمله للصفر أو الواحد.

و بالفعل لم يبقى هذا الكلام مجرد تنظير أو موضوع لقصص الخيال العلمي, ففي سلسلة من الإكتشافات و التقدمات التكنلوجية إستطاعت مخابر بحث عدة تحقيق الخطوات الأولى لتخزين المعلومات على شكل كيوبتات و كتابة خوارزميات تتناسب مع نموذج الحساب الكمي.
حيث نذكر مثلا أنه في سنة 1995 استطاع العلماء كتابة خوارزمية لتصحيح الأخطاء الحسابة على حاسب كمي-14-, و في سنة 1996 و 1997 تمكن العلماء شور, ديفيسنزو, أهاروف و بن-أور من تقليص نسبة الخطأ الناجم عن القيام بحسابات كمية بدرجة كبيرة-15-, مثل هذه الخوارزميات و التحسينات تعد حجر الأساس لبناء أي حاسب كمي.

و في سنة 2007 تمكن باحثون في جامعت دالفت للتكنلوجيا من إجراء عمليات حسابية باستعمال كيوبتان اثنين-16-, وفي سنة 2009 قام فريق من الباحثين من جامعة يال الأمريكية بصناعة أول وحدة معالجة* و بالتالي خطوا خطوة أخرى -17-باتجاه الحاسب الكمي.

و تلى ذلك تقدمات و اكتشافات كثيرة من جامعات و مخابر متعددة, حيث و في سنة 2010 تمكن باحثو جامعة نورثوسترن من صناعة جهاز لإرسال الكيوبتات-18- مما يعد إمكانية بناء إنترنت قائمة على الكيوبتات, ثم تلاهم قيام نظرائهم بجامعة بريستول بالكشف عن عناصر جديدة تسمح ببناء دارات كمية تستغل خصائص الضوء-19-, ثم و في أفريل 2011, استطاع علماء بجامعة إنسبرك من التحكم و مشابكة 14 كيوبتا, مما يعد رقما قياسيا عالميا لعدد الكيوبتات التي يمكن التحكم بها-20-, هذا و دون ذكر خوارزميات التشفير و الحماية المختلفة التي تمت -21-كتابتها, و خطوات كثيرة تم خطوها.
كل هذه التقدمات تزيد العلماء ثقة من أن إمكانية بناء الحاسوب الكمي قد تكون أسهل مما كان يعتقد-22- قبل سنوات و أنها مسألة وقت ليس بالبعيد حتي يصبح الطموح واقعا.
و بتحول الحلم إلى واقع, سيتجاوز المستعمل العادي حدود رغباته و لن يحتاج أو يرغب في حاسب خارق, إذ سوف يمتلك الحاسب الكمي,و قد تصير قدرة الفرد على معالجة البيانات تجاري قدرة دولة بأكملها, و نصل إلى عصر أين قد لا نجد ما نحسبه.

و هنا دعنا نتوقف قليلا لنسترجع الماضي و نقارنه بالحاضر و إمكانيات المستقبل, إذ معجز حقا كيف بدأ الإنسان بالحجر و وصل إلى الكيوبت و جسيمات لا يمكنه حتى رؤيتها, و أيضا كيف أن ميكانيكا الكم هذه النظرية التي ظهرت في القرن ال 20 و أثارت خوف العلماء من نموذجها صعب الفهم و الفوضوي للعالم لتظهر لها هته التطبيقات الخارقة للمخيلة, و تأثيرها المباشر على استشعارنا للطبيعة و الإنسان و إمكانياته.
حقا إن الطبيعة ملهمة و العلم قوة.

التراكب = superposition
التشابك = Entanglement
وحدة المعالجة = Processor
الكيوبت = Qubit

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق