مالك بن الريب يرثي نفسه

0
مالك ابن الريب التميمي

يرثي نفسه

كلمة عن الشاعر

مالك بن الريب التميمي شاعر مقلّ لم تشتهر من شعره إلا هذه القصيدة ومقاطع شعرية في الوصف والحماسة وردت في كتاب الأغاني.

وكان مالك شابا شجاع فاتكاً لا ينام الليل إلا متوحشاً سيفه ولكنه استغل قوته في قطع الطريق هو وثلاثة من أصدقائه . وفي يوم مر عليه سعيد بن عثمان بن عفان وهو متوجه لإخماد تمرّد في خُرسان فأغراه بالجهاد في سبيل الله بدلاّ من قطع الطريق، فاستجاب مالك لنصح سعيد وذهب معه وأبلى بلاءً حسناً ، وفي عودته إلى وادي الغضا في نجد وهو مسكن أهله ، مرض مرضاً شديداً ، فقال هذه القصيدة الرائعة الفريدة يرثي بها نفسه.

وتتمتع هذه القصيدة في أدبنا بشهره فذه لأن الإنسان مهما صدقت عاطفته في رثاء حبيب فلن تكون أصدق منها عندما يرثي نفسه.

وقد كانت وفاة مالك بعيد نظمه لهذه القصيدة في خلافة معاوية سنة 56هـ.



ابيات من المعلقة



ألا ليت شعري هل ابيتنّ ليلهً

بوادي الغضا اُزجي القلاص النواجيا




فليت الغضا لم يقطع الركب دونهُ

وليت الغضا ماشى الرّكاب لياليا




لقد كانَ في اهلِ الغضا لودنا الغضا

مزارٌ و لكنّ الغضا ليس دانيا




الم ترني بعتُ الضلاله بالُهدى

وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا




تذكرت من يبكي عليَّ فلم أجد

سوى السيف والرمح الرديني باكيا




واشقر محبوك يجر عنانه

الى الماء لم يترك له الدهر ساقيا




ولما تراءت عند مروٌ منيّتي

وخلّ بها جسمي وحانت وفاتيا




أقولُ لأصحابي ارفعوني فإنني

يقرُّ بعيني أن سهيل بداليا




فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا

برابيه إني مقيم لياليا




أقيم علي اليوم او بعض ليلةٍ

ولا تعُجلاني قد تبيّن مابيا




وقوما إذا ما استُل روحي فهيّئا

لي السد ر و الأكفان ثم ابكيا ليا




وخطا بأطراف الأسنة مضجعي

وردّا على عيني فضل ردائيا




ولا تحسُداني بارك الله فيكُما

من الأرض ذات العرض ان توسعا ليا




خُذاني فجُرّاني ببردي إليكما

فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا




وقد كنت عطّافاً اذا الخيل أحجمت

سريعاً لدي الهيجا إلى من دعا نيا




وبالرّمل منا نسوةًّ لو شهد نني

بكين وفدّين الطبيب المداويا




فمنهن أمّي وابنتاها وخالتي

وباكية أخرى تهيج ألبوا كيا




وما كان عهد الرّمل مني وأهلهِ

ذميماً و لا بالرّملِ و دّعت ُ قاليا
*************************

شرح المفردات

5- الرديني : الرمح القوي نسبه الى ردينه وهي قبيله كانت تجيد صنع الرماح

6- أشقر محبوك: يعني حصانه الاشقر القوي

7- تراءت :ظهرت وبدت. مرو:عاصمة خرسان .خل:ضعف

9- سهيل : نجم لامع يطلع من الجنوب كان العرب يحبونه ويكثرون من ذكره

10- ياصحبي رحلي: ياصاحبي في سفري

11- السدر: ورق السدر العر ب يستخدمونه بدل الصابون

12- فضل ردائيا : الزائدج من ثوبي

14- بردي :ثوبى

15- عطافاً: انعطف نحو الاعداء مهاجماً.احجمت:تراجعت

17- باكيه اخرى :يعني زوجته


الشرح:

ياترى هل تعود ايامنا مع الاحباب بوادي الغضا فأبيت فيه ليله اسوق النياق السريعة .

كم كنت اتمنى لو أن الغضا مشى معنا ونحن مسافرون فلم تقطع المطايا عرضه.

إن أهل الغضا احباب مخلصون لو كانوا قريبين منا لواصلونا وزارونا ولكنهم للأسف بعيدون.

لقد كنت ضالاً فاهتديت وأصبحت في الجيش الغازي بقيادة سعيد بن عفان .

وحين أتذكر موتي ومن سيبكي عليّ لا أجد إلا رمحي وسيفي وهذا الفرس المضمّر القوي ألذي يجرٌ رسنه الى الماء دونما فارس يسقيه .

حينما شعرت بالموت عبد مدينة مرو وضعف جسمي قلت لاصحابي : ارفعوا راسي لأرى نجم سهيل فهو نجم محبوب لدي لأنه يطلع من نحو اهلي ، وقد لا تنتظران عندي الايوماً أو بعض ليله لأن أمري قد اتضح ، فإذا خرجت روحي فاغسلاني بالسدر وجهزا أكفاني وأبكيا لوفاتي واحفرا قبري برؤس الرماح وغطيا وجهي بالزائد من ثوبي .

ووسعا لي في قبري لأن أرض الله ، واسعه واسحباني إليكما بثوبي ،فقد كنت أيام قوتي لايستطيع أحد أن يجرّني .وكنت انعطف على الاعداء إذا تقهقرت ألخيل وأسرع إلى نجدة من يدعوني .

آه على الرمّل بوادي الغضا إن فيه نساءًلو رأينني لبكين لحالتي وفدّين الطبيب بانفسهن، منهن أمي واختاي وخالتي وزوجتي .ماكان أخسن أيام الرمللقد كانت حميده وكان اهل الرمل محبين لنا مخلصين في ودادنا.ذ

التعليق

إذا تأملت هذه القصيده العظيمه اتضحت لك فيها الخصائص الآتيه:

1. أن العاطفه فيها في اوج الصّدق والحراره لأن الشاعر حين يرثي نفسه يكون منفعلاً بإحاس لا مثيل له ، إذ نفسه أغلى عليه من كل غالٍ .وهذه الخاصه جعلت هذه القصيده من اشهر المراثي في الشعر العربي

2. المعاني فيها ابتكار وروعه كحديثه عن سيفه ورمحه وحصانه ،وهي تبكي بطولته وفروسيته ، وفي توصياته لرفاقه تأثير موجع حقاً ، ومن معانيه الطريفة : معنى تشابه فيه مع شاعر انجليزي جاء بعده .وهو قوله (( خُطّا بأطراف الأسنّة مضجعي)) . ومن اجمل معانيه مقارنته بين حالته وهو ميت يسهل على أصحابه أن يجرّوه ، وبين حالته وهو في كامل صحته حين كان من الصعب على أصحابه أن يجرّوه ،كما أنّ في ذكره لزوجته ووالدته وقريباته ،وتصوير شعورهنّ حين يبلغن النبأ إبداعاً ممتازاً .

3. الصور والأخيلة الواردة في معظم القصيدة بدويه ، ولكنّ بعضها يوضح جوّ ألفتوح الإسلامية ،ومن الإشارات البدويه ((ازجي القلاص النواجيا ،لم أجد سوى السيف والرمح الرديني باكيا ، واشقر محبوك ، سهيل ،ياصاحبي رحلي ، هيئا السدر.

4. في القصيدة تكرار بليغ الوقع والتأثير ،فقد كرر كلمتي الغضا والرّمل عدة مرات لشدت حبه لهذين الموضعين .حتى لقد كرر كلمة الغضا ثلاث مرات في بيت واحد وهو البيت الثالث ..




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق